قد ينشأ الخلاف بين المؤمن والمؤمن له حول السبب الحقيقي للخسارة، وقد يكون من الصعب الفصل بين التأثيرات أو النتائج المترتبة على تحقق الخطر المؤمن منه والخطر المستثنى لارتباط الخطرين مع بعضهما بطريقة أو بأخرى.
مبدأ السبب المباشر ينص على ضرورة أن تكون الخسارة قد وقعت كنتيجة مباشرة لوقوع الخطر المؤمن منه لكي يقوم المؤمن بتعويضها “المادة (55)1” من قانون التأمين البحري لعام 1906 خصصت للسبب المباشر، “إلا إذا كانت الوثيقة تنص على خلاف ذلك فإن المؤمن مسؤول عن أية خسارة تحدث نتيجة خطر مؤمن منه ولكنه غير مسؤول عن أية خسارة لم تحدث كنتيجة مباشرة لخطر مؤمن منه” . في التأمين يتم تحديد السبب المباشر حسب شروط وبند وثيقة التأمين
الأخطار المؤمنة والأخطار المستثنية والأخطار غير المؤمنة
“الأخطار المسماة” يتم الاعتماد على الإستثناءات لوضع قيود على الأخطار المؤمن ضدها وأية خسارة تحدث نتيجة أي سبب آخر تكون غير مغطاة (مثل وثيقة الحريق، تغطي الحريق والصاعقة، أنواع محددة من الانفجارات وتستثني الحريق الناتج عن الزلزال والشغب والأخطار الأخرى). الأخطار غير المؤمنة وغير المستثنية أي غير المذكورة في الوثيقة تعرف بالأخطار “غير المؤمنة”. وثائق” كافة الأخطار” تغطي كافة الأخطار عدا ما هو مستثنى ولا يوجد ما يعرف بالأخطار “غير المؤمنة”
ماذا يقصد بالسبب المباشر؟
هو السبب الرئيسي لوقوع الخسارة أو السبب ذو التأثير الأقوى. اعتبار أن السبب يجب أن يكون “رئيسي” وذلك لوجود أسباب غير رئيسية أو غير مباشرة لعبت دور أقل في حدوث الخسارة وتعرف هذه الأسباب بالبعيدة. اللورد رايت ” في قضية شركة يوركشير ديل ضد وزير مواصلات الحرب” إن اختيار السبب الرئيسي أو الفعال من بين مجموعة من الحقائق المعقدة والمتشابكة يجب أن يتم حسب البديهيات المسلم بها ويجب أن تفهم السببية كما يفهمها الشخص العادي وليس كما يفهمها العالم أو الماورائي.
ليس من الصعب التوصل إلى السبب المباشر للخسارة إذا كانت الظروف والملابسات بسيطة وواضحة ولم يمضي وقت طويل بين وقوع الحدث المسبب للخسارة وبين الأضرار التي نتجت ، ولكن تنشأ الخلافات عندما تحدث الخسارة نتيجة سلسلة من الأحداث المتفرقة وتتداخل مع أخطار غير مؤمنة أو مستثناة.
سلسلة الأحداث
السابقة القضائية على موضوع السبب المباشر جاءت في قرار مجلس اللوردات في قضية “ميلاند شيبنغ ضد شركة نوريج فاير للتأمين” 1918 كانت السفينة “أكارا” مؤمنة بوثيقة تأمين ضد مخاطر البحر وتستثني أخطار الحروب وقد أصيبت السفينة بمفرقعة للعدو أدت إلى حدوث فجوة في جسم السفينة مما عرضها للغرق واستطاع القبطان الوصول إلى ميناء “لي هارف” وبدأت عملية التصليح وأثناء ذلك هبت عاصفة مما اضطر مسؤول الميناء إلى إخراج السفينة لتجنب غرقها في الميناء إلا أنها غرقت بعد خروجها. كان على مجلس اللوردات أن يقرر فيما إذا كان السبب المباشر هو الإصابة من مفرقعة العدو (خطر مستثنى) أو العاصفة (خطر مغطى) الذي كان آخر حدث في “سلسلة الأحداث” التي أدت إلى غرق السفينة. أقر مجلس اللوردات أن السبب المباشر هو الأضرار التي حدثت بسبب المفرقعة وذلك لأن هذه الأضرار ظلت فاعلة ومؤثرة طوال الوقت أي أن “سلسلة الأحداث” لم تنقطع بين الإصابة بالمفرقعة وغرق السفينة في نهاية الأمر.
قضية ” آثرينغتون ضد شركة لانكشير ويوكشير أكسدنت للتأمين” 1909 توفي المؤمن عليه الذي كان لديه وثيقة تأمين حوادث شخصية تستثنى الوفاة نتيجة أي مرض بعد إصابته بالتهاب رئوي نتيجة سقوطه من ظهر حصان على أرض رطبة، حكمت المحكمة أن السبب المباشر هو “حادث السقوط وليس المرض ( أي أن سلسلة الأحداث قد انقطعت)
قضية “مارسدورف ضد شركة اكسدنت للتأمين” 1903 قام المؤمن له بجرح رجله بظفر إبهامه أثناء خلع جواربه مما أدى إلى تعفن الجرح بعد 6 أيام وتسمم الدم بعد 10 أيام وتوفي نتيجة التهاب رئوي. حكمت المحكمة أن السبب المباشر للوفاة هو الحادث وليس المرض.
يكون المؤمن مسؤولا عن الخسارة إذا بدأت سلسلة الأحداث بشكل مباشر من خطر مؤمن، وغير مسؤول إذا بدأت كنتيجة مباشرة لخطر مستثنى. قضية “شركة توتال برودهرست لي ضد شركة لندن ولانكشير فاير للتأمين” 1908 تسبب زلزال في قلب موقد يعمل بالزيت مما أدى إلى اشتعال حريق بالمنزل وانتقل الحريق من مبنى لأخر بسبب الإشعاع الحراري إلى أن وصل الحريق للمنزل موضوع التأمين. حكمت المحكمة أن الخسارة مستثنية من الوثيقة لأن الحريق حدث بسبب الزلزال وأن سلسلة الأحداث بين هذا الخطر المستثنى والخسارة ظلت متصلة دون انقطاع.
تعتبر سلسلة الأحداث متصلة إذا كان كل حدث قد وقع كنتيجة طبيعية للحدث الذي سبقه وإذا تم انقطاع سلسلة الأحداث نتيجة تدخل سبب جديد فإن الأمر يصبح مختلفا. قضية “مارسوين ضد ستي اندكونتي للتأمين” 1865 تسبب حريق في حشد من الناس حول المحل وقاموا بتحطيم الزجاج عندما اندلعت بعض أعمال الشغب واستغل بعض الأشخاص هذا الوضع وقاموا بسرقة المحل وكانت الوثيقة المعنية تغطي كسر الزجاج عدا ذلك الناتج عن الحريق. قالت المحكمة أن تصرفات هؤلاء الأشخاص لم تكن نتيجة طبيعية للحريق وعليه فإن سلسلة الأحداث قد انقطعت وعليه فإن السبب المباشر لكسر الزجاج هو أعمال شغب وليس الحريق ولذلك يجب تعويض المؤمن له عن هذه الخسارة.
قضية “وينيكوفسكي ضد أرمي آند نيفي للتأمين” 1919 عندما استغل اللصوص فرصة إطفاء الأنوار خلال هجوم جوي أثناء الحرب وقاموا بسرقة بعض البضائع المؤمنة من مبنى المؤمن له. حكمت المحكمة أن السرقة وهي خطر مؤمن بموجب وثيقة التأمين هي السبب المباشر وليس الهجوم الجوي المستثنى من الوثيقة
قضية “لاورنس ضد شركة أكسدنتال للتأمين” 1881، وثيقة تأمين حوادث تغطي الوفاة نتيجة الحوادث العرضية مع استثناء الوفاة نتيجة نوبات. تعرض المؤمن له لنوبة أثناء وقوفه على منصة للسكة الحديدية ووقع فدهسه القطار. المحكمة قالت أن السبب المباشر للوفاة هو دهس القطار وليس النوبة (يعتبر هذا الحكم مكرمة من المحكمة)
تعديلات على مبدأ السبب المباشر
يمكن تعديل أو استثناء مبدأ السبب المباشر من خلال تعديل نص الوثيقة فإذا تم استثناء أخطار الحرب بشكل قطعي فإنه يتم رفض أية مطالبة إذا اشترك ذلك الخطر في إحداث الخسارة ولو بشكل بعيد. حيث تقدم الشركات باستثناء الخسائر المترتبة بشكل مباشر أو غير مباشر من الخطر المعني. قضية كوكس ضد شركة امبلوير لايبيليتي للتأمين المحدودة” 1916 توفي المؤمن عليه عندما صدمه قطار عندما كان يتفقد حراس السكة الحديدية في الظلام بعد أن أطفأت الأنوار وقت الحرب ، حكمت المحكمة بعدم مسؤولية المؤمن عن هذه الخسارة لأن الوثيقة تستثني أخطار الحرب سواء ساهمت في وقوع الخسائر بشكل مباشر أو غير مباشر ورغم أن الحرب ساهمت بشكل بعيد في الحادث إلا أن إضافة الفقرة السابقة كان لها الأثر الفعال في توسعة مدى الإستثناءات وتقليص حجم التغطية .
قضية “اوي ضد فوستر” 1982 اشتعل زيت كان متروكا على فرن كهربائي وانتقل الحريق إلى المنزل بعد خروج زوجة المؤمن له من المنزل المستأجر، وبما أن الزوجة مسؤولة قانونيا عن الأضرار بسبب إهمالها وقامت بمطالبة شركة التأمين بموجب قسم المسؤولية الشخصية من وثيقة تأمين المنازل التي يملكها الزوج إلا أن الوثيقة تستثني المسؤولية الشخصية التي تنشأ بشكل مباشر أو غير مباشر من ملكية أو سكن أي عقار. قضت المحكمة أن السبب المباشر للحريق هو فشل الزوجة في إطفاء الفرن قبل خروجها من المنزل وأن الخسارة قد نشأت ولو بصورة غير مباشرة بسبب السكن في المنزل المعني وعليه فإن المؤمن غير مسؤول عن هذه الخسارة.
قضية “دونهولم ضد بينتلي” 1996 عندما قامت السيدة “بينتلي” بإيقاف سيارتها على ناحية الشارع بسبب عدم وجود بنزين في السيارة وبعد 10 دقائق توقف أحد زملائها في الجهة الأخرى وقامت بقطع الشارع للذهاب إليه وجلب بعض البنزين ولكن صدمتها سيارة مسرعة فماتت وتعرض سائق السيارة لإصابة خطيرة (دنهولم) وقام برفع قضية على ورثة المتوفاة وذلك بسبب إهمالها وعدم اكتراثها عند قطع الشارع وطالب شركة التأمين المؤمنة على سيارتها بدفع قيمة المطالبة ، شركة التأمين رفضت دفع المطالبة على أساس أن المؤمن لها قامت بإيقاف السيارة في المكان المناسب وبعد 10 دقائق قامت بقطع الشارع أي أن الحادث لم يقع بسبب استخدام السيارة قبلت المحكمة وجهة نظر المؤمن ولكنها قضت بأن الحادث قد نشأ من استخدام السيارة وعليه فإن المؤمن مسؤول عن هذه الخسارة (التعديل هنا لتوسعة مدى الغطاء وليس لتضيقه)
عبئ الإثبات :
على المؤمن له أن يثبت أن السبب المباشر للخسارة هو خطر مؤمن منه وإذا أراد المؤمن رفض المطالبة فعليه أن يثبت أن السبب المباشر للخسارة كان خطر مستثنى من الوثيقة أو قد يعدل نص الوثيقة بحيث يكون على المؤمن له أن يثبت أن السبب المباشر ليس خطر مستثنى .
للإستزادة أدعو القارئ الكريم لقراءة المرجع: كتاب قانون التأمين الصادر من معهد التأمين القانوني البريطاني