
تُعد قضية السفينة البريطانية التي ألقت حمولتها في البحر سعيًا لتحقيق مكاسب مادية من شركات التأمين واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل في تاريخ الملاحة البحرية والتأمين. تُعرف هذه الحادثة المروعة باسم “مذبحة السفينة زونغ” (The Zong Massacre)، وقد وقعت في القرن الثامن عشر خلال حقبة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. تُسلط هذه الواقعة الضوء على الوحشية التي رافقت تلك الفترة، وتظل علامة سوداء في التاريخ الإنساني.
تفاصيل القصة:
- السفينة زونغ: كانت سفينة بريطانية تُستخدم في تجارة الرقيق، مملوكة لتجار بريطانيين. في عام 1781، كانت السفينة تحمل ما يقارب 470 أفريقيًا مأسورين كعبيد، بالإضافة إلى طاقمها.
- الرحلة: أبحرت السفينة من غرب أفريقيا متجهة إلى جامايكا في منطقة البحر الكاريبي. خلال الرحلة، واجهت السفينة صعوبات بسبب سوء الأحوال الجوية ونقص الإمدادات، بما في ذلك المياه الصالحة للشرب.
- القرار المروع: قرر طاقم السفينة، بقيادة القبطان لوك كولينغوود، التخلص من جزء من “الحمولة” (الأفارقة المأسورين) بإلقائهم في البحر. كان الهدف المعلن هو الحفاظ على الموارد المحدودة وإنقاذ بقية الركاب والطاقم. ومع ذلك، كان الدافع الحقيقي هو المال؛ حيث إن التأمين على السفينة كان يغطي خسارة “البضائع” (العبيد) في البحر، ولكن ليس في حال وفاتهم بسبب المرض أو سوء المعاملة.
- عدد الضحايا: تم إلقاء ما لا يقل عن 132 أفريقيًا في البحر، منهم رجال ونساء وأطفال. بعضهم قفزوا بأنفسهم بعد رؤية ما حدث لغيرهم.
- المطالبة بالتأمين: بعد وصول السفينة إلى جامايكا، قدم مالكو السفينة مطالبة لشركة التأمين لتعويضهم عن “خسارة البضائع”. ومع ذلك، رفضت شركة التأمين الدفع، مما أدى إلى رفع دعوى قضائية.
الجدل القانوني والأخلاقي:
- المحاكمة: في عام 1783، تمت مناقشة القضية في المحكمة البريطانية. جادل مالكو السفينة بأن إلقاء العبيد في البحر كان ضرورة لإنقاذ السفينة، بينما جادل المدافعون عن حقوق الإنسان بأن هذه كانت جريمة قتل جماعي.
- النتيجة: في البداية، حكمت المحكمة لصالح مالكي السفينة، لكن القضية أثارت غضبًا عامًا، خاصة من قبل نشطاء إلغاء تجارة الرقيق مثل غرانفيل شارب وأولوداه إكويانو. أدى الضغط العام إلى إعادة النظر في القضية، لكن لم يتم معاقبة أي من المسؤولين.
الأهمية التاريخية:
تُعتبر قضية السفينة زونغ نقطة تحول في الكفاح ضد تجارة الرقيق. لقد سلطت الضوء على الوحشية التي كانت تُمارس ضد الأفارقة، وساعدت في تعزيز الحركة لإلغاء تجارة الرقيق في الإمبراطورية البريطانية، والتي تحققت لاحقًا في عام 1807.